Subscribe

RSS Feed (xml)

Powered By

Skin Design:
Free Blogger Skins

Powered by Blogger

20‏/03‏/2014

سجينة الجسد




من خلال البخار المتكثف على مرآة الحمام اشاهد انعكاس صورتي المشوه .. يعكس واقعي المشوه .. امسح بيدي وانظر الى معالم جسدي العاري يقطر ماءا .. اتحسس صدري الذكوري الخالي من الشعر اتخيل فيه اثداءا اتمناها .. اشعر بها باصابع خيالي .. ارفع يدي الى شعري الحليق الاسود .. واراه طويلا منهمرا على كتفي .. وارى لي شفتين مكتنزتين يزينهما احمر شفاه لامع .. انظر الى عضوي الذكري النائم بين رجلي .. كم اكره وجوده .. كم اكره جسدي هذا .. جسدا كان سجني منذ وعيت على الدنيا .. حبس انفرادي معتم .. مؤلم .. لا مهرب منه !
ولدت منذ اعوامها احسبها الدهر بجسد ذكر فرحت به عائلة تنتمي لمجتمع ليس فيه الذكر كالاثنى .. فرح أبي بي وذبح عجلا .. شيئا لم يفعله لاختاي اللاتي ولدن قبلي ولم يكرره الا لما ولد اخي الاصغر بعد اخت ثالثه .. كنت بكره فالاناث لا تحسب كأنها شئ مؤقت سيحذف لاحقا من العائلة .. بينما الذكور ولاة العهد لهم المقام الاكبر والمرتبة العليا !
ومنذ بدأت خطواتي الاولى وفي عمر لا فرق به بين جسد طفل وطفلة .. كانت تجذبني دمى الفتيات .. وفي جيل الرابعة حين صرت العب بادوات اخواتي التجميلة كان  يضحك الجميع لطفل يكتشف العالم .. ولكن مع تقدمي بالسن لم يعد الامر مضحكا .. وصار يغضب ابي ويشدني من يدي لاصحو على واقع اني " رجل " !
لم تكن تعني لي تلك الكلمة اي شئ .. لم تكن تبهجني ولا اشعر بفخر خاص كباقي الاولاد حين ينعتوني بها .
" رجل " تلك اللعنة التي لاحقتني وما زالت تلاحقني منذ الابد .
اما في المدرسة لم اكن انتمي لابناء جنسي ابدا .. كنت احب صحبة الفتيات .. احب لعبهن .. دفاترهن الملونة وحقائبهن الوردية .. كلما كنت اقترب منهن كانت المدرسات تعدنني الى مكاني بين الصبيان .. صرخوا بي .. عايروني .. حاولوا  بشتى الطرق ان يفهموني الاقتراب من الفتيات ممنوع .. فانا ولد ولا يصح ان يتسكع الاولاد بين الفتيات .. بل مكانه هناك في المقام الاعلى بين الصبيان !
زرعوا الاشواك بيني وبينهن فانزويت لا اقترب اليهن ولا انتمي للصبيان .. ضعت في داخلي وتعمق بي احساس بالغربة .. كلما تقدمت بي السنين كلما زادت غربتي وزادت وحدتي وزادت العتمة في السجن الذي اقبع فيه.. في جسد الصبيان المراهق .. كنت انظر الى زميلاتي وقد بدأن بالاستدارة وظهرت عليهن ثمار الانوثة الاولى .. وكنت احسدهن .. كنت اتمنى ان استدير مثلهن وان تنمو على جسدي حقول الانوثة الخصبة .. وكنت اظن بيني وبين نفسي ان هذا سيحدث فعلا .. فقد كنت بداخلي اعلم انني لست صبيا .. واني فتاة مثلهن .. لكن جسدي خذلني من جديد .. لم يستجيب لخيالي ولم يهتم ابدا برغباتي وتركني في حيرتي غارقة لا ادري ما يحدث معي ولا من اكون حقا  كانت اغنيتي المفضلة بذلك الوقت اغنية لعبد الحليم حافظ
" مين انا .. عايز اعرف مين انا
ليه انا .. عايز اعرف ليه انا
اختارت الدنيا الميعاد
واختاروا اسمي في الميلاد
لا كان بايدي بدايتي             
ولا بايدي نهايتي
مين انا ؟..." 
ليتني اعلم يا عبد الحليم .. ليتني اعلم !
كانت غرفتي ملجأ وحدتي .. اخذ خفية اغراض اخواتي واجربهن على نفسي .. البس كعوبهن العالية .. والون وجهي بعلب زينتهن.. واكوم قطعا قماشية واصنع لنفسي صدرا افتخر به .. اعيش عالمي كما اشعره بداخلي .. اهرب من واقع يريد فرض نفسه علي وجسد حكم على حكما مؤبدا ان اظل في زنزانته .. اقفل باب غرفتي وادخل عالمي الحقيقي..حتى اسمي كان يزعجني .. رامي .. كان كلما نادي به احدهم اشعر بغصة في قلبي .. واخترت لنفسي اسم ريم .. لاني اريد ان اكون كالريم .. غزال حر يطير في البراري  !
واقتحم علي والدي عالمي وكنت كملكة بكامل زينتها .. هاله ما رأى ..ابنه البكر كالفتيات بزينتهن جذبني من ذراعي بعنف وقال اني رجل .. وما انا به انما فعل المخنثين واجبته بشجاعة لم اعهدها اني لا اريد ان اكون رجلا .. فصفعني على وجهي .. كفا هز كياني هزا
" انت رجل هذا البيت الذي نعتمد عليه .. وهذه ليست تصرفات رجال "


"لست كذلك " قلت ودموع سوداء تسيل على خدي ماسحة الكحل من مقلتاي

" انت مريض .. مريض .. انظر الى نفسك  " شدني من رقبتي الى المراه " انظر الى هذا المسخ .. هذا ما تريد ان تكونه ؟
مسخ .. مخنث ! "

لم اجبه كنت اشهق باكية

" ابكي وولول كالنساء على نفسك .. ولكنك ستكون رجلا .. ابني البكر الذي سيحمل العائلة على اكتافه  من بعدي "
ثم نظر الى امي التي وقفت امام الباب صامتة تبكي بعينين غاضبتين

"هذه اخرة تدليعك له وتدليلك .. خذيه ليمسح هذا القرف عن وجهه ولا اريد ان ارى هذا مرة اخرى
" صاح بنبرة وعيد

اقتربت امي باكية .. " عيب عليك ما تفعله .. سكتنا لك كثيرا .. ولكنك الان كبرت ولم يعد يصح ما تفعله ان الاوان لان تكون رجلا كابناء جيلك "

رجل .. رجل .. رجل كلمة كبيرة في مجتمع ذكوري .. تحاصرني ..تهددني .. تخنقني .. ربما يكونون على حق فانا اشبه الرجال بجسدي .. ولكن هناك خطب ما بي .. اعلم هذا .. لكني لا ادري ما هو .. اعلم اني لا انتمي الى هذا الجسد .. روحي لا تطيقه .. هل انا مجنون ؟ .. هل انا مسكون بارواح شريرة ؟ .. يا ترى ما خطبي ؟
حاصرتني الاسئلة التهمتني رويدا رويدا .. صرت اكثر انطوائية .. لا اخالط احدا في المدرسة .. وكنت كلما تقدمت سنة كان الوضع في المدرسة يسوء فكنت كنت ارق من ابناء جيلي .. شخصيتي مختلفة وهذا ما جعلني هدفا لاذى زملائي وتحرشاتهم ومركزا لسخريتهم ومضايقاتهم.. ينعتوني بال"بنوتي" وال"شاذ" وال"مخنث" .. يسخرون مني امام الجميع وحين يختلون بي يطلبون مني خدمات جنسية !
كنت اعيش جحيما في المدرسة .. وجحيما في البيت وجحيما مع نفسي .. ليالي طويلة اناجي السماء علها ترفع عني او حتى ترفعني اليها .. اناجيها لعلها تأتيني بالاجوبة .. لكنها ظلت  صامتة متخلية عني هي الاخرى في وحدتي وعذابي .
تساءلت هل انا شاذ او مثلي كما يقولون .. بحثت عن تعريف المثلية لارى ان كانت تنتطبق علي .. وكان التعريف بسيطا الانجذاب الجنسي والشعوري اتجاه اشخاص من نفس الجنس .. كانجذاب الرجل للرجل والمراة للمرأة .
اظنني انجذب للشباب .. يعجبونني اجل .. ولكن هناك قسم في هذا التعريف يضايقني فانا لا اشعر باني اصلا من نفس جنسهم .. هل مثليتي خاصه .. وواصلت ابحاثي ثم تعرفت على كلمات كالجندر .. والهوية الجنسية والتحول الجنسي !
واكتشفت اني لست وحيدة بالعالم وبانه في حالات يحدث تباين بين الجنس البيولوجي والنفسي اختلاف بينهما فهناك من يولد بجسد رجل ويعرف نفسه على انه امرأة وان هناك من يولد بجسد امرأة ويعرف نفسه على كونه رجل
وعرفت ان هناك عمليات تجرى لتصحيح الموضوع وملائمة الجسد وتحويله ..وصار حلمي الان ان اتحول .. لا فكلمة التحول لا تعنيني بل اريد ان اصحح خطأ واعود الى نفسي اتحرر من سجني الذكوري هذا
دب في امل .. اني ساتخلص من جلدي هذا وساهب لنفسي جسدا جديدا يلائمني ..  جسد بكل ثمار النساء التي كنت اشاهدها في المجلات وفي تموجات اجساد زميلاتي واخواتي ...
وقررت ان ازور اخصائيا نفسيا ..لعله يساعدني ويوجهني .. وكم كنت اخشى ان اقع مع احد لا يتفهمني فانا منذ عرفت نفسي وجدت كل شئ ضدي .. لا احد يفهم اني وجدت نفسي هكذا .. اني لم اختر يوما ان اعاكس او اعاند شيئا بل هو شعور داخلي بعدم انتمائي لجنس هم حددوه لي .. فرحوا بذكورتي وبئست انا بها .. لا احد قد يستوعب ما اعانيه .. ففعلا من كانت يده بالنار هو من يشعر بالحرق فقط .. ليتهم كانوا يفهمون .. ليتهم بي يشعرون .. لا يهمهم الا ان اكون ولدا احمل اسم ابي احافظ على ذكورة مزعومة يحترمها مجتمع منافق .. يخشون ان انا اظهرت ما بداخلي ان يأكلنا الناس بالسنتهم ولا يأبهون ان اكلني انا الالم والتهمني حتى يقضى علي .. ان لبس احدهم حذاء ضيقا يعاني منه الامرين .. يلعن تلك الساعة التي لبسه بها .. ولا يرتاح الا اذا خلعه ورماه بعيدا .. فما بالهم اذا ذاق الجسد ؟؟..
لذلك احتجت لمن يفهمني ويشرح لي حالي .. ولحسن حظي وجدت اخيرا من كان قادرا على فهمي كانت تلك الاخصائية النفسية البشوشة .. تحدثنا شرحت لها امري .. وشرحت لي ان العملية تحتاج لوقت فهناك المتابعة النفسية وعلاج الهرمونات  فعلي ان اتحلى بالصبر وبالشجاعة .. فاني ساواجه خلال طريقي الطويل مجتمعا باسره .. لكنني كنت مصممة فانا لا بد ان اعيش واقعي .. ان اعيش ما اريد لا ما يريدون .
وصرت اذهب للاخصائية سرا .. اخفي عن عائلتي ما يدور في ذهني .. لكن ما انا بصدد القيام به ستظهر معالمه علي فكان علي الاعتراف لهم .. وكم كان الامر صعبا حين وقفت في غرفة ابي وامي ابتلع ريقي واحاول ان اخرج الكلمات المحشورة بحلقي بقوة
" تعلمان اني منذ كنت صغيرا كنت مختلفا ".. قلت بعد ان طلبت منهما الحديث وان يستمعا الي حتى النهاية .." كنت العب بالعاب اخواتي .. احب لبسهن ومجالستهن .. لم يكن الامر يزعجكما بداية .. ثم صار كذلك لما كبرت وظللت اتصرف كالفتيات .. ظننتم ذلك ربما نابع من دلال زائد او من مخالطتي لاخواتي الفتيات .. لكن هذا غير صحيح .. لقد عرفت ما بي .. فانا كنت بعيدا عن الاولاد قريبا للبنات مقلدا لهن .. لاني في الاصل امرأة ولست رجلا" !

صمت بعدها لارى وقع كلماتي عليهما .. امي كانت تبكي بصمت اما ابي فقام ثائرا " عدت لهذيانك ؟ .. لا.. تماديت جدا .. هذا لاني لم اتصرف معك التصرف الصحيح "

" يا ابتي ان ما بي هو اضراب الهوية الجنسية وهو شئ موجود فكم من امرأة بجسد رجل ورجل بجسد امرأة والموضوع يحتاج لبعض العلاج وتكون الامور جيده "

" علاج ؟ وستعود الى رشدك وتعلم انك رجل وتتصرف برجوله ؟"

" بل ساكون على حقيقتي .. ساكون امرأة "

" امرأة .. امرأة .. ستتحول الى امرأة ايها العاهر المخنث .. لقد افسدت عقلك الافلام والكتب التي تقرأها .. هذا الكلام يحدث هناك عند الكفرة في بلاد  الغرب "

" ارجوك ابي ان تهدأ .. هذا هو الحل لحالتي .. أ يرضيك ما انا به ؟"

" والله انه لخير لي ان تموت الان امامي على ان اراك تتحول لامرأة"

اسكتتني الصدمة .. ذبحتني جملته .. انهمرت دموعي دون سابق انذار على خدي كسيول شتاء عاصف

" عموما .. لقد بدأت مراحل العلاج .. ولن اتراجع " خرجت كلماتي من غريقة بين دموعي

" انا قلت لك .. لقد سكت لك كثيرا لكن لن اسكت اكثر من هذا .. ان تماديت فلن تستطيع ان تخرج بعد الان من البيت الا على قبرك .. وها انا قد حذرتك " قال وخرج من الغرفة يعلوه دخان غضب اسود

" تريد ان تكون امرأة .. ان تجلب لنا العار .. ماذا سنقول لاعمامك واخوالك .. ماذا سنقول للناس .. ماذا سيقول عنا الناس ؟.. الم تفكر باخواتك البنات ؟ من سيطرق بابنا ليطلبهن بعد هذا ؟.. يا خسارة تربيتي وتعبي ..." تكلمت اخيرا امي وصوتها مخنوق بالدموع

" الناس ؟ وماذا عني انا ؟ الم يفكر احدكم بي ؟..."

" لا اريد ان اسمع اغرب عن وجهي الان "

خرجت .. خرجت حاملا كسرا بقلبي ونهر دموع في عيني .. دخلت الى الحمام .. استحممت بماء ساخن اختلط  بحزني وعبراتي .. وتكثف كل ذلك الالم مع البخار على تلك المراة التي اقف امامها .. اتخيل لنفسي جسدا اخرا .. نزار قباني يصرخ في راسي :
أنا بمحارتي السوداء .. ضوءُ الشمسِ يوجعني 
وسـاعةُ بيتنا البلهاء .. تعلكنـي و تبصقنـي 
مجــلاتي مبعثـرةٌ ..وموسـيقاي تضجرني 
مع الموت أعيش أنا .. مع الأطلال و الدّمـنِ 
جميـعُ أقاربي موتى .. بلا قبـرٍ و لا كفنِ 
أبوح لمن ولا أحداً ..مِنَ الأمواتِ يفهمني ؟ 
أثور أنا على قدري .. على صدئي على عفني 
و بيتٍ كلُّ مَنْ فيـه .. يعادينـي و يكرهني 
أدقُّ بقبضتي الأبواب ..و الأبوابُ ترفضنـي 
بظفري أحفر الجدران .. أجلدها و تجلـدني 
أنا في منزل الأموات فمن من قبضة الموتى يحررني ؟!
 بيدي احمل شفرة حلاقة اقربها من معصمي .. لاحرر نفسي من هذا الجسد بثمن باهظ فساحرره من العالم كله .. ترتجف يدي وتقترب من شراييني النابضه .. ولكن الشفرة الحادة سقطت من يدي .. واجهشت في البكاء .. اعلم ان دربي طويل وفيه معارك كثيرة .. ابكي على نفسي لاني لا اريد ان اهزم بسهولة .. ولاني اريد ان اعيش ولو ليوم واحد كمرأة بجسد الانثوي الكامل امشي به بكل فخر مطلقة شعري للريح وثدياي للحرية .. يوم واحد فقط اعيشه هكذا يكفيني .....

هناك تعليق واحد:

نايف الشهرى يقول...

كلمات جدا رائعة اخى
يسلمو