لما دخلت معه لم اعرف انه يصطحبني الى مثل هذا المكان.
انفجرت في وجهي ضجة الموسيقى من ذلك المكان المخنوق بدخان الشيشة والسجائر ..
دخلت فجأه من الشارع الهادئ النائم المتلفع بوشاح الليل المظلم الى مكان يضج بالحياة والفوضى!
منذ الصباح يلح علي صديقي لان اذهب معه لنسهر مع رفاق له .. كنت متعبا حاولت
ان اتملص لكنه اصر .. فكان له ما اراد انتظرني امام الباب في شارع هادئ لا يدل
البته اننا سنواجه هذا الانفجار الموسيقي الذي باغتنا ما ان فتح الباب لندخل .
صدمت لوهلة قبل ان القي نظرة سريعه ارى فيها اين انا .. كانت الاضواء الخافته تميل
الى اللون الوردي والدخان يطغو على المكان في الوسط مساحه خشبيه يقف في وسطها رجل يغني والمكان يزدحم بالرواد من رجال ونساء.
جلست مع صديقي في مكان قد حجزه اصدقاءه.. شابين يجلس احدهما الى جانب امرأة
لا تصلح الا ان تكون امه لكنها بالواقع كانت خطيبته ! والى جانبها جلست نساء يظهر
من اجسادهن اكثر مما ستر بقطع قماشية تدعى ملابس! "فرقة الراقصات " القيت
عليهن هذا الاسم في رأسي كاتما ضحكت جلجلت بهدوء خبيث في صدري .
جلست وبدأت المعركه ...
اشتدت الضجه او ما يبدو انه غناء مع موسيقى صاخبه تطغى على صوت المغني
ويندفع المتقاتلون الى الحلبة واتفرج انا على مسرحية سخيفة تعتمد على الاغراء
المبتذل!
في عالم الحيوان يكون بشكل عام الذكر مزركش ويقوم دائما برقصاته وبابراز زركشته
وغروره امام الاناث ليجذبهم كالطاؤوس مثلا صاحب المشية المتبخترة وريشه الملون
يفرده امام الانثى محاولا اغراءها .. اما هنا في هذه الحلبة فالعكس هو ما يحدث تقوم
النساء للرقص باقل قدر ممكن من الملابس تنظرن حولهن الى الرجال الذين يتحولون
الى اعين تتفحص المتراقصات بكل تفاصيلهن.. يعرونهن باعينهم ويضاجعوهن
بمخيلاتهم.. وهن يرقصن لعل احدى العيون تتحول الى يد تمسك بهن تراقصهن وتدفع
لهن مالا في اخر الليل!
كان صديقي الى جانبي يدخن وينفث بشيشته وصديقه يتكلم مع خطيبته والثالث يجلس
مثلي ينظر الى الراقصين وحوله يبدأ صراع الاناث .. تقوم احداهن تتراقص ولا تحول
عينها عنه واخرى جالسة تسترق النظر اليه وتلقي بنظرات اشمئزاز للمتراقصه امامه
فتقرر ان تقوم هي الاخرى تعرض ما لديها وتتصارع الاناث على الذكر!
اما هو فقام بلا مبالاة وتوجه الى الحمام تاركا الفتاتين ترقصان دون ان يلتفت اليهن..
لكنهن لم ييأسن فالساحة مليئة بالذكور المستعدة وترتمي كل واحدة منهن في حضن
راقص من الراقصين !
يزداد الصخب وتداس الاغنيات تحت الارجل المتراقصه على المساحة الخشبيه يتبادل
الجميع النظرات وتبعث الورود والكؤوس من كل حدب وصوب يبعثه رجالا لنساء وتتم
الصفقات لبيع الاجساد .. كنت اجلس بسوق نخاسة .. لحم رخيص واثواب مقطعة
حمراء!
التفت فجأة فاذا بعيون تراقبني وسط الدخان .. شاب بقميص ابيض يجلس يبدو عليه
انه وصل الى هنا بغير ارادته او انه اخطأ العنوان !
ما ان التقت عيني بعينه حتى ابتسم فبادلته ابتسامته بابتسامه.. وتابعت مشاهدتي للسوق
وللصفقات وللابتذال .. لكن كنت اشعر بحرارة نظرات تتسلط علي اعاود التفاتي فاجده
ما زال يراقبني .. اتهرب هذه المرة من نظراته واقوم متجها الى الحمام.
اغلق الباب خلفي فتصطدم الموسيقى الصاخبة التي حاولت التسلل معي الى الحمام
بالباب المغلق فتقل حدتها اختار احدى الابواب الثلاثة المفتوحة امامي وادخل بيت
الراحه .. الطقت انفاسي بعيدا عن ضجة مسوقي الجسد ومشترييه !
عند خروجي لاغسل يدي اجد امامي قميصا ابيضا وشعرا اسود ونفس العينين لكن
تنظر الى من خلال المراه هذه المرة كان يغسل وجهة ولما راى انعكاس صورتي على الزجاج البراق امامه ابتسم والتفت الي .
" هذا الضجيج يرهقني لا ادري كيف اطعت اصدقائي واتيت " قال لي .. في حين
ابتسمت ابتسامة مجاملة ولم ادر ما يمكنني ان ارد عليه .. لكني قلت " فعلا " .
"ما قولك ان نكمل السهرة بمكان اخر .. انا عمر بالمناسبة " قال وكله ثقة بنفسه ..
اقتراح صدمني !
لكني وجدتها فرصة لاهرب من هذا المكان ودغدغني فضولي لاذهب معه.. اعتذرت
من صديقي وتركته يكمل سهرته في حديقة الحيوان البشرية وخرجت لاجد عمر منتظرا وفي فمه سيجارة .. ابتسمت لما كنت اجلس الى جانبه بعد ساعة على ضفاف النهر
وهو يمد يده الى يدي والهدوء ينتشر حولنا .. ياللسخرية ففي نهاية الامر يبدو اني
ساكون من اؤلائك رواد الكباريه الذين سينهون ليلتهم في السرير مع شخص ما .....!