جلست في المقهى .. حيث احب ان اجلس دائما في زاوية بعيدة منطويا على نفسي .. بعيدا عن دخان الاراجيل .. ومبتعدا قدر المستطاع عن ضجيج الحاضرين .. اطلب فنجان قهوتي .. اضعه على الطاولة امامي اتأمله واستنشق بخاره سامحا لرائحته ان تتحد مع خلايا رئتي .. يعج المقهى بالرواد وتختلط الاصوات بين ضاحكين ومتمتمين بكلمات يصعب تبيانها .. وبين اصوات الملاعق تطرق بقعر كؤوس الشاي محركة قطعة السكر الراقدة في اعماق الكأس .. وبين قرقرة الارجيلة .. ورنين هاتف هنا وهناك .. ومن البعيد يعمل المذياع .. استبين من بين كل تلك الاصوات اهات ام كلثوم .. اغمض عيني لاستخلصها وانقيها مما شابها من اصوات متبعثرة في اركان المقهى .. واصغي لها فتضيع كل الاصوات غيرها .. اهات عميقة تخرج من قلبها تعبر الزمان والمسافات لا تعرف حدودا للوقت والمكان لتصل مباشرة لقلبي .. " انا وحبيبي غايبين عن الوجدان .. يطلع علينا القمر ويغيب كأنو ما كان .. بايتين حوالينا نسمع ضحكة الكروان .. على سواقي بتنعي عاللي حظو قليل ..." تترنم بها وتعيد وانا مغمض عيني هائم على اوتار صوتها .. واعود الى المقهى حين يصفق جمهورها وتنتهي وصلتها .. افتح عيني فيعود فنجان القهوة امامي .. ورائحة المعسل بانواعه المختلفة تخنق المكان .. والاصوات المتداخلة تتناثر من جديد حولي .. ارشف رشفة من فنجاني .. واتلذذ بطعم القهوة المر في فمي .. امسك كتابا احضرته معي .. فانا احب ان اتي الى هنا مساءا وحيدا يرافقني احدى كتبي .. استمتع بفنجان قهوة واعيش في عالم الكتب الواسع السحري ..اسندت ظهري الى كرسي .. ونظرت في كتابي وبدأت القراءه ...لم تمض دقائق قليلة حتى رفعت رأسي لشعوري بان احد يراقبني .. وما ان رفعت عيني عن كتابي حتى التقت بعينيه المسلطتان علي .. يمسك بيده ارجيلته وينفث بشهية دخانها من صدره .. حليق الشعر خفيف اللحية جميل العينين .. عينين حارقتين تصليانني بنارهما .. نظرت مباشرة في عينيه للحظات .. لكنه لم يحرك عينيه عني ولا حتى رمشت تلك العيون .. فانهزمت انا بسرعة وهي عادتي فانا لا اصمد امام مواجهة النظرات فلطالما كنت اول من يبعد عينيه في مواجهات كتلك التي اخوضها الان !عدت مرتبكا لكتابي انظر بين سطوره واكاد لا افقه ما اقرأ .. ارفع عيني ثانية اراه ما زال يحدق بي وينفث دخان نرجيلته بنوع من الاغراء اللذيذ ! .. والتجأت مرة اخرى الى كتابي .. فهو الان حصني الذي اتدارى به من هجمات نظراته علي .. لا اقرأ فيه فعلا اقلب صفحات مدعيا القرأة والتركيز .. لكن كل فكري في تلك العيون التي اشعر بسياطها على جسدي كله .. وبصاحب العيون .. ذا الرجولة الوقحة المثيرة .. ارفع مرة اخرى راسي وما زال كما هو لا يحرك عينيه قيد انملة عني .. وهذه المرة رأيت ظل ابتسامة على شفتيه ...ابتسمت له .. فوقف فجأة واقترب من طاولتي وسحب الكرسي الفارغ الى جانبي وجلس ...قال ان اسمه حازم .. لا ادري بماذا تحدثنا وماذا قلنا .. كان قلبي يخفق بشدة .. لم ادري بنفسي الا وانا امشي معه في الشارع ونميل الى احدى البنايات وندلف الى احدى شققها .. ولم ادري بنفسي الا عاريا على سريره الواسع وهو يقف فوقي عار ايضا والشهوة تملأ اعضاءه .. شعرت به يخترقني .. فاتلذذ انا بالالم الذي يتسببه دخوله العنيف بي وترتفع صوت تأوهاتي مخترقة سكون الليل ...فتحت عيني وسائلي الابيض يغرق يدي .. وتبخرت طيف احلام من مخيلتي وكنت وحيدا في سريري وذلك الرجل يشغل مخيلتي وصنعت لنفسي قصة عشتها معه للحظات حتى افرغت بيدي رغبتي..! ففي حقيقة الامر اني حين رأيت ظل تلك الابتسامة الخبيثة على شفتيه .. صرعني خوفي .. فلم اجرؤ على الرد على ابتسامته .. لاني اعرف ما قد تجره تلك الابتسامة .. ورغم رغبتي الشديدة في التجربة .. الا انني اسير خوفي .. يقيدني فيلجمني ويجعلني لا اتقدم خطوة .. كانت امامي هنا فرصة .. فمنعني من جديد خوفي .. ذلك الوحش الذي يسكن بي والذي يمنعني من الاستمتاع بلذة ارغبها وبشدة .. فما كان مني الا ان اغلقت كتابي وقمت مستديرا نحو باب الخروج .. دون ان التفت خلفي لاراه .. لكني كنت اشعر بسياط عينيه على ظهري ومؤخرتي .. خرجت من المقهى ليتلقفني الشارع يملأوني شعور غريب بالحزن .. وطوق شديد لاتخلص من وحش الخوف في داخلي .. امشي بخطى مهزوزه مهزومة وللمرة الالف وحيدا في الشارع المظلم عائدا الى بيتي .. متجها الى غرفتي وسريري..ملجأي وطريقي الى عالم الخيال .. اقفل الباب على نفسي واعيش احلامي التي منعني خوفي من تحقيقها على ارض الواقع !
where is Home
قبل شهر واحد
هناك 7 تعليقات:
سلام يا علي يا مبدع :
صراحة اندمجت مع القصة و كأنني بطلها ( لأن حياتي يملؤها الملل عادة) لكني انصدمت عندما علمت أن تلك المغامرة انتهت باستمناء ، اه لو كانت حقيقة بس ! بغض النظر عن كون القصة شخصية أو لا ... أظن أن البطل قام بالعمل المناسب لأن الانقياد السهل للشهوات قد لا تحمد عقباه لكن مرة أو مرتين ليه لأ ؟ خلي الناس تنبسط ههه
أخخخخخ شكلي أدمنت على قراءة روائعك ... لذا لا تطل الغياب على احبابك ... اتمنى لك التوفيق يا علي .
T-K
عزيزي الكس هي قصه اشخاص تبني حولها اسوار وتخشى ان تفتح الابواب احيانا لترى بعض النور
كم يسعدني في كل مرة اكتب بها ان اجدك اول المتابعين
- كل مرة أقرأ فيها ما كتبت عم بيزيد شوقي لاقرأ المزيد, انت شكلك لازم تكتب كتب و روايات يا علي , شكل البطل ضيع على نفسه مغامرة مع حازم ! في انتظار المزيد.. تحية لك.
Sam
يعطيك العافية علي ~ بجد وصف و تفاصيل القصة ولا أحلى . تشوقنا للقائك شخصيا يوما ما :) جد علينا بجديدك قريبا ~
- عمر-
أأأأأخخ الى متى ستبقى جدران الخوف تمنعنا من العيش ، لازم نحطم كل هذه الأسوار و نعيش ما نود و كيفما نود ..... قصة جد جميلة ننتظر المزيد .
باي
نزار
وااااو ابداع مو طبيعي بالصياغة و التعبير بس اقرأ أول كلمة لاإراديا بكمل القصة كلها وهذا اللي بيخليني تابع جديدك على طول و فعلا انا متشوقة لقابلك شخصيا بيوم من الأيام . لاتطول علينا بجديدك (:
(ديانا)
Sam
اه ضيعها وياما فرص بتضيع
اهلا بك في مدونتي دائما وشكر لك على تشجيعك
دمت باحسن حال
- عمر-
اهلا بك اخي وسيسعدني انا ايضا في يوم لقاؤك
تحياتي
نزار
اولا اسمك كثير حلو
ثانيا نورت
ثالثا فعلا كفانا اسوارا نريد ان نحلق عاليا !
ديانا
والله ليكي وحشه اسعدني اني اشوف تعليق الك وبتمنى اراك دائما في مدونتي وان شاء الله بنلتقي
تحياتي
إرسال تعليق