كانت السماء زرقاء مطعمة بلون غيم ابيض شارد في وسع السماء وكانت النسمة بارده
منعشة على عكس جو بلدي الحار الجاف الذي تركته منذ سويعات صاعدا الى الطائرة .. كانت باريس باستقبالي بجو ربيعي
مدهش .. خرجت من باب المطار اجر ورائي حقيبتي .. اخرجت هاتفي لاتصل به.. ففرحتي برؤيته
تفوق فرحتي الطفولية بالسفر وبباريس التي كنت احلم بزيارتها .
كنت اعلم ان كل شئ بيني وبينه انتهى ولكن كنت اتشوق لرؤيته مرة اخرى .. فهناك
في مكان ما في قلبي ما زالت صورته ساكنه .. رأيته قبل ثلاث سنوات لاول مرة ثم باعدتنا
المسافات وصارت لقاءاتنا عبر كلمات تضئ في الشاشات او صوت ينقله الاثير عبر القارات
.. وبما انه يسكن هذه المدينة فقد كانت فرصتي الان لالتقيه مرة اخرى .. ارى وجهه وشعره الاسود الداكن .. استشعر لمسات
يده القطنية وارى بريق عينيه الخاطف.
كانت نبضات قلبي تزداد مع ازدياد عدد رنات الهاتف انتظر صوته القادم من قريب
هذه المرة .. لكن لم يكن من مجيب .. عاودت مرة واخرى .. دون رد .. هو يعلم انني قادم
وقال انه سيقابلني بعد عمله .. هل يكون في عمله الان؟.. بعثت له برسالة اخبره اني وصلت
ووضعت هاتفي في جيبي.. ثم اخرجت خرائطي واوراقي التي حضرتها بروح المغامرة وتوجهت الى
القطار متجها الى فندقي ...
ارتميت على السرير وامسكت هاتفي من فوري رايت ان رسالتي وصلته لكنه لم يرد بعثت
بثانيه وثالثة واتبعتهما برابعة وخامسة كادت كلماتي تتوسل اليه .. فجاءني رده بعد
فترة لم تطل " عذرا فان زوجتي متعبة ولن استطيع لقاءك " ! .. "زوجتك
؟ .. هل تزوجت ؟" كتب لارد ثم مسحت ما كتبته .. كان يقول انه ينوي الزواج ولكني
لم اكن اصدقه.. هل تزوج فعلا وابتعد عن ما كان يسميه حراما .. أوليس الحرام ان يخدع
امرأة لا ذنب لها؟؟ .. وضعت يدي على فمي من دهشتي فتحسست شفتاي فلامست اثار قبلاته
المحمومة لي والتي حفرها على شفتي قبل سنين ثلاث .. لازلت اتذكر لهفته في تقبيلي وكلامه
المعسول .. واراه عبر الشاشات يتعرى حاثا اياي ان اجاريه فلم اكن استطع فعل ذلك ..
وكان هذا من اسباب تركه لي وكان تفكيره بان حياتنا خاطئة سبب اخر .. واختفى .. ثم عادي
يحدثني كصديق وكنت قد فرحت بعودته .. لكنه لم يخبرني بشئ واظهر الفرح لما اعلنت له
قدومي .. تبا لتلك الحالة من التناقض التي نعيشها ...
ان قدومي لباريس جاء في بعثة عمل مع زملاء اخرين الا اني قدمت سفري لاصل قبلهم
بثلاث ايام وحدي .. اكون فيها انا وهو وباريس وحدنا .. كنت احمق .. كان ما زال بي امل
.. وهو زادني املا حين اظهر فرحه وحدثني عن اشواقه .. شعرت فجأة بالغربة .. رغم انه
لم يمض على وجودي الا ساعات قليلة .. شعرت اني وحيد .. مع قلبي الضعيف .. وعلت الدموع
في عيني .. تكورت على حزني كجنين في ظلمات رحم امه .. وغفوت .. أ وليس النوم اسهل وسيلة
للهرب .. ويا ليت في النوم راحه .. ظلت الكوابيس تلاحقني في منامي وحتى في ركن حلمي المظلم
استتر الالم متربصا بي .. لم ادري كم غفوت وكم من الوقت مضى وانا ضامم حزني هكذا ونائم
.. صحوت وفراغ في قلبي .. تعاتبني افكاري على سذاجتي وتعلقي بسراب .. نهضت .. كان يجب
ان انهض واخرج لاعيش حياتي انا ايضا .. لم اشعر برغبة باكتشاف المدينة .. فتحت كمبيوتري
المحمول وبحث عن حي المثليين في باريس وذهبت الى هناك !
مشيت في ذلك الحي وبي رعشة تجتاحني فانا اول مرة ادخل حي للمثليين يمشون به
هكذا بحرية يقبلون بعض ويمسكون ايدي بعضهم بشكل عادي ككل العشاق واعلامهم معلقة في
كل مكان تزين الحانات بالوان طيفها .. واين سارى انا مثل ذلك وانا من مكان ان شكوا
بامرنا دفنونا احياءا !
كنت اراهم فرادى ومجموعات يسيرون هنا وهناك وبارات منتشرة على جانبي الشارع .. وقفت امام احداها مترددا .. استجمعت
شجاعتي ودخلت .. كانت الاضواء خافتة والموسيقى صاخبة .. اتقدم الى احد المقاعد العالية
المستديرة الى جانب البار اتحاشى النظرات التي التفتت الى ذلك السمار العربي المتجسد
بي .. يا للسخرية فكل ينشد ما لدى الاخر فهم يبحثون فينا عن شمس الشرق التي تسكننا
.. عن الرجولة السمراء وفحولة يتوهمنها فينا..
ونحن نبحث عن البحر بزرقته والغابات بخضرتها في عيونهم عن الحرير الملون في شعورهم
.. ولفحة البرودة المنعشة في اجسادهم البيضاء المنحوتة كتماثيل
الهة الاغريق !
جلست على الكرسي شاعرا بحرارة
عيون تلتهمني بنظراتها اما انا فركزت عيناي على كاس عصير طلبته رافعا راسي بين
الحين والاخر ارى ما يجري حولي ولكن متجنبا لقاءا مباشرا مع عيون الاخرين وحين
تلتقي بابتسامة او عيون تفر عيوني بسرعة الى اي مكان اخر .. كنت اخشى ما يتبع
النظرات والبسمات .. وكان هناك احدهم في ركن بعيد كلما درت بعينين اجده ينظر الي
بتمعن لا يغير ناظريه عني .. ارتشفت من كأسي ثم رفعت راسي لكني لم اجده في مكانه
.. فعدت الى كأسي وبي قليل من خيبة الامل فرغم تجنبي للعيون الا ان هنالك لذة ما
تجتاحني حين اشعر ان هناك من يترقبني بعيون الشهوة .. لقد ذهب وتبخرت معه اطياف حلم
بعيد لم اكن اجرؤ حتى على تخيله ... اجفلني جلوس احدهم الى جانبي
نظرت اليه فكان هو اقترب وجلس الى جانبي دون ان اراه .. ابتسم بمرح ولعله انتبه
لمفاجأتي به .. ورأيت عيونه التي غزتني طوال الامسية كلها تتفقد جسدي بكل معالمه
المتدارية خلف قميصي وبنطالي .. رايتها قريبة مني كانت رمادية اللون .. وهل هناك
عيون رماديه؟ .. اكتشفت لونا جديدا.. لون البحر في الفجر حين تبدأ السماء تكتسي
بلونها الازرق فيصحو البحر متثائبا بلون باهت ما بين الازرق والاسود من اثر الليل
الذي نام فوقه !
قال لي شيئا بالفرنسية المغرية
اعادني من اعماق عينيه التي كنت ابحث في لونها الباهت عن ما علق من تفاصيل جسدي ..
لم افهم قوله فرددت بالجمله الوحيده المتكسرة التي اعرفها بالفرنسية " انا لا
اتكلم الفرنسية"
-هل ادعوك لشراب شئ ما ؟.. قال بانجليزية مثقلة باللكنة
الفرنسية
– شكرا قلت له واشرت لكاس عصيري
البرتقال
–وهل هذا شراب ؟ قال ساخرا..
دعني ادعوك لشراب حقيقي اضاف مبتسما
–شكرا لا اشرب الخمر
- عربي ... قال منبهرا باكتشافه
- عربي مسلم اجبته بفخر مصطنع
لم يعر عبارتي اهتماما واقترب من اذني يوشوشني
-ا تعرف انك جميل ؟ .. دغدغت انفاسه اذني فارتعش جسدي كله
.. انت وسيم حقا ستاكلك العيون هنا .. كنت اراقبك واراقبها انتظرك ان تلتقط الفرصه
فتفتح المجال لاي شخص يعجبك القدوم .. لكنك كنت مرتبك تهرب من نظراتهم .. وانتظرت
انا ان يتقدم احدهم اليك .. ولكن لم يفعلها احد .. احتجت لثلاث كؤوس من الخمر حتى
اتشجع واقتحم حصنك واكون اول الواصلين اليك !
ابتسمت لا اعرف كيف اجيبه ..
كان ينظر الي كانما ينظر الى تحفة فنية مبهرة فتح مواضيع كثيرة وسالني عن نفسي وعن بلدي وعن زيارتي ..
وبعد كاسين اخرين شربهما وضع يده على فخدي وهمس لي "أ ترافقني الى البيت ؟"
.. ابتلعت ريقي ولم
افكر كثيرا .. هززت راسي موافقا .. خرجت الى هدوء الشارع اتبعه .. احاول ان امسك
الشجاعة في يدي حتى لا تفلت مني .. اوقف سيارة اجرة ودعاني للركوب .. جلس الى
جانبي يمسك يدي كانه يخاف ان افر منه .. ينظر الي كانه وجد ضالة ظل يبحث عنها سنين
طويله. وصلنا بيته كان رقيقا جدا متأن .. يعاملني كقطعة زجاج
يخاف ان تنزلق من بين يديه فتنكسر .. ابحرت معه انا في تدفق الاجساد على سريره
الواسع !
صحوت صباحا على انفاسه قرب وجهي يتأملني .. حين فتحت
عيوني مد يده الى وجهي يتحسسه ينزل بها الى جسدي العاري .. يتأكد بانني حقيقة الى
جانبه واني لم اكن حلم ليلة صيفية.. ثم هب قائما وعاد يحمل صينية تعبق منها رائحه
القهوة والى جانبها قطعة من الكعك .. اما انا والذي كانت تسكنني
عقدة الذنب الجنسي حيث نشئت على ان الجنس خطيئة كبرى .. لم اشعر باي ذنب ذلك
الصباح بل كنت استعيد ليلتي بتلذذ .. ثم غمرني سعادة
ذلك الفطور على السرير .. لم
يفعلها اي احد من قبل لي . خرجت من عنده بروح صافية زرقاء
كتلك السماء الباريسية الصيفية الزرقاء .. والتقيته مساء وبت ليلة اخرى لديه
وامضيت اليوم كله معه والليلة التي تلته .. صار لباريس طعما اخر بنكهة القهوة الزكية
والكرواسون الصباحي الطازج .. بلذة القبلات نبيذية النكهة وبلون الورود الحمراء
التي صار يضعها في الصينية الى جانب الفطور
صار لها عبق خاص مشبع
بعطري فرنسي ولكنة فرنسية لذيذة. ثم وصل
زملائي فتقيدت حركتي كنت اضطر ان اقضي النهار معهم .. لكني كنت اختلق الحجج مساءا
لالتقيه كنا نختطف الوقت اختطافا .. كنت اخشى ان ابيت عنده حتى لا يشك زملائي بشئ
.. كنت اعلم ان الزمان وهب لي اسبوعا في الجنة وكنت اريد ان اعيش اسبوعي هذا بكل
لحظات فالجنه طعمها حلو المذاق !
ما كان
يقلقني .. انه بدأ يتعلق بي .. كان بريقا غريبا يشتعل في عينيه كلما التقاني..
كانت نظراته تحرجني كلما تمعن بي .. وكأنه يريد ان تظل صورتي مطبوعة في عينيه
..كان يضمني اليه بشده كلما جمعنا فراش .. يريد ان يحتويني بين ضلوعه .. اما انا
فكنت اقنعت نفسي انه اسبوع وسيمضي مغامرة ستبقى في ذاكرتي وحلم علاقة ساصحو منه
حين اركب الطائرة عائدا الى وطني..!
وكانت ليلة اخيرة .. كانت ليلة ماطرة .. جلست معه فيها
نتعشى في احدى المقاهي على الرصيف .. تظللنا مظلات كبيرة تعزف عليها قطرات المطر
الحانها المضطربة .. والناس تجري امامنا تحت الاضواء البرتقالية المختلطة بزخات
المطر .. وكنت انا وهو نتبادل كلمات لا معنى لها نعلم انها اخر ليلة من ليالي
الحلم .. حلمان التقيا في احدى بارات باريس وسيتودعان في ليلة باريسية صيفية ماطرة
تبكيمها !
طال بنا الجلوس وكان لابد ان اعود .. نظر الي بعيون
متوسلة وطلب ان ابيت عنده فلم ارفض وسرنا معا تحت المطر
صامتين .. باحثين عن سيارة اجرة ... وقفت
في مدخل بيته اقطر ماءا فاحضر منشفة وبدأ يجفف شعري ووجهي .. ثم دنا مني وجذبني
الى دوامة قبلات لم اصحو منها الا صباحا حين رنت الساعه تعلن موعد الرحيل.. اصر ان
يذهب معي يوصلني الى فندقي وقف امامي يكابد دمعه ويحبسه في مقلتيه ويمسك يدي ..
بينما كابد قلبي نزيفا يقطر منه .. نظر في عيني وابتسم .. كان بريق دموع
يلمع في بحر عينيه الرمادي
- لقد استمتعت بصحبتك كثيرا .. وساشتاق اليك
.. قال ثم صمت
- وانا كذلك .. قلت بكلمات تخرج بصعوبة مني
-انت ما كنت ابحث عنه .. قال بعد فترة صمت
.. ووجدته اخيرا .. لن اتركك تذهب هكذا بكل بساطة .. يجب ان نبقى معا .. حياتي
انقلبت منذ دخلتها انت .. صار لها طعم اخر .. بهار
عربي اضفى نكهة خاصة على ايامي .. وشمس الشرق بوجودك كانت تشرق كل يوم في حجرتي ..
ابدا لن اتنازل عن حلم تحقق وعن زهرة تفتحت في حياتي !
نظرت اليه مستغربا بعيون حزينة تسأل وكيف
السبيل
- ساتي لزيارتك في اقرب فرصه وسنظل على
اتصال وستعود الى هنا لتسكن معي في باريس
. ابتسمت
له دون ان اجيب وخيالات احلام داعبت فكري .. لكن سرعان ما طردها الواقع .. صمت
لاني اشفقت على تحطيم حماسه بصعوبة تحقيق مراده .. ثم ان قلبي الهش الذي ما زال
مهشما من قصة حب عن بعد لم يكن مستعدا ليعيش التجربة مرة
اخرى ...
احتضنته بشده حين ازف الوقت وكان لابد من
الذهاب التحقت بزملائي وتوجهنا الى المطار .. كانت باريس ما زالت حزينة تبكي زخات
من مطر .. ركبت الطائرة وما زال كلامه يدور في اذني .. افكر فيه ..أ يعقل انه
احبني فعلا ؟ .. هل
يمكن للحب ان يخلق في ليلة ؟ وان تصنعه نظرة .. وتزرعه في القلوب قبلة ؟؟ لقد
عشت اجمل ايامي .. وقد عاملني كما لم يعاملني احد من قبل .. رومانسية كنت اراها في
الافلام واتخيلها.. لم اتصور ان اعيشها حقيقة .. حرية ما عرفتها من قبل امسك يده
في الشارع واقبله كما اشاء .. حنان وحب .. كلها ذكريات جميلة ستظل في ذاكرتي الى
الابد .. لكن كلامه هو فورة حماس ونار اعجاب سرعان ما ستخمد وينساني ليواصل حياته
.. كما ساعود انا الى الروتين واواصل حياتي.. هذا اخر ما كنت افكر به قبل ان اغفو
والطائرة تعبر عباب السماء ...!
مر
اسبوعين منذ عودتي وما تركني يوما .. يتواصل معي كل يوم .. نتحدث .. نتبادل الصور
.. والاشواق . حيرني
امره كنت احسبه سيمل وتنتهي فورته ولكنه لم يكن كذلك وقد زاد حماسه ليأتي الي ..
المشكلة كانت الان انا .. فانا لم اقنع بوعوده وحبه أو اني لم ارد ذلك .. رغم اني
كنت اسعد بسماعه يعبر عن اشواقه وحبه .. واحلامه المستقبلية .. لكني لم ارد ان
اتعلق .. لم ارد ان يرتبط قلبي من جديد بهاتفه ورناته .. ولا ان يكون املي بشاشة تضئ كلما وصلتها كلمات بعيده لقد عشت هذا من قبل وكان عذابا
طويلا .. فالحب يحتاج الى ينبوع اللقاء حتى يرتوي منه كلما عطش شوقا .. يحتاج الى
لمسات .. الى همسات .. سكون العيون .. وكل هذا تحجبه شاشات وتفصله مسافات .. كنت
اخشى ان اتعلق .. اخشى ان احب..! ومع
ذلك كنت اريده احب كلامه .. احب شوقه .. لهفته .. احلامه الوردية .. احب حبي له ! فكنت في حيرة .. اجاريه في كلامه .. احدثه
احيانا عن مخاوفي لكنها يطمئنني دائما بوعود .. احدثه عن تاريخي فيتعهد اني معه لن
اعرف طعم الالم .. ولكن هل يعرف الحب عهودا ومواثيق ؟!
كنت حائرا بين رغبتي وخوفي.. بين رغبتي في
ان يكون صادقا ويحقق احلامه .. وبين غربتي في ان يختفي فجأة كما ظهر فجأة ويعيد لي
سكون حياتي وسكون افكاري.
وفي وسط تلك الحيرة التي تعصف بي ظهر عمار
من حيث لا ادري ولا اعلم !
عمار وما ادراك ما عمار اظنه حلم كل شاب
.. فهو وسيم فارع الطول رشيق القوام .. مهندم اللباس .. عينان عسليتان وشفتان
نابضتان بالحياة .. متواضع ومحترم. التقيته
منذ مدة مع اصدقاء وطلب مني وقتها حين غادروا ان ابقى انا لكني لم اكن استطع ذلك
وانقطعت اخباره .. لكن وصلتني منه فجأة رسالة .. لقد اضاع رقمي ومن يومها يبحث عنه
وتحصل عليه الان .. طلب مقابلتي وذهبت فعلا اقابله .. جلست امامه في المقهى كان شديد الفتنه
مغري.. يتحدث وانا انظر الى شفتيه اريد ان الثمها وامزقها قبلا .. تحدثنا في كل شئ
وفي لا شئ وافترقنا على وعد اللقاء ... لم
يمض يومان حتى بعث لي قائلا انه سيذهب يومين الى الساحل ويدعوني للذهاب معه .. لقد
اسعدني عرضه .. فهو القادر على اختيار من يشاء .. اختارني انا .. ولكن اسكت
سعادتي..ذلك الباريسي فقد توجهت افكاري اليه .. شعرت فجأة اني ارتبطت به ولا رغبة
لدي بخيانته .. صارت حيرتي حيرتين .. بين شخص احبني وعشت معه حلما سعيدا ولكني
متردد في قبول حبه وهو عني بعيد .. وبين شخص يعجبني واعجبه وهو مني قريب .. كانت
دعوته فاتحة لامر ما ولربما لعلاقة .. على الاقل سيكون بها لقاء جنسي وانا حقيقة
ان اصطحبته لن امنع نفسي عنه .. ماذا افعل بامري هذا ؟ وجدت
نفسي امام حلين اثنين اولهما ان اخدع كلاهما .. اذهب مع عمار اقضي يومين من المتعة
دون ان اخبر احدهما عن الاخر .. ثم ارى اين ستمضي بي الاقدار واما
ان اعترف لكل منهما عن الاخر . اما
الحل الاول فان ضميري لن يدعني افعله واما الثاني فمحتاج الى شجاعة مني !
في ذلك المساء قلت اجرب وارى حادث
الباريسي
-هنا صديق دعاني لقضاء يومين معه على الساحل
-اها
- لكنه ليس صديقا عاديا .. فهو.. كان معجب بي
! - لا .. لا تذهب .. قال بشكل حازم
-حسنا .. قلت دون رغبة مني بالمجادلة
-ا تعرف ؟ .. انا لا اريد ان اخنقك .. انا اريدك ان تكون
سعيدا .. اذهب معه ان شئت فانا اثق بك .. قال ذلك وانا اشعر بنبرة حزن في صوته
- لا اعرف لا اظنني ساذهب
وانهال علي بعدها بالاسئلة عنه.. كان ممتلئ بالغيرة!
لقد اسعدتني غيرته وقررت فعلا
اني لن اذهب واعتذر من عمار وصرت اتهرب منه .. لكن الحال لم يعجبني كان علي ان
اواجه بدل الهرب فقابلته .. وحكيت له عن مغامرتي الباريسية .. بهت وتغير لونه لكنه
تمالك نفسه وجمع شتاتها وبدا وكان سما فوق مشاعره وسال
- هل تحبه ؟
-لا ادري .. اخاف ان اتعلق به
- تخاف ؟
-اجل فكما قلت لك فانا كنت بعلاقة تحكمها المسافات وكانت
صعبة جارحة
- ولكن لكل علاقة خاصيتها وميزتها التي تختلف عن الاخرى
-ولكني اخاف ان تعلقت به ان اجرح من جديد .. ان يخذلني
الحب .. اخاف ان بدأت ان افشل
- لو سرنا على مبدئك لما فعلنا شيئا .. والحياة اكبر مثال فكلنا مصيرنا الموت .. فلو
فكرنا بمنطقك لما عملنا ولا درسنا ولا زرعنا ولا بنينا فان اخرتنا هي الاختفاء
والرحيل.. فلا تلقي بالحب لانك تخاف الفشل .. فمن يعلم ما تخبئ الايام ؟
- لكن الامر مؤلم .. وقلبي ضعيف لا يتحمل الالم
- صدقني لن تموت من الالم ! .. هو مؤلم تلك حقيقة لكن الحب
يستحق .. وما حياتنا يا عزيزي الا تلك اللحظات التي ينبض القلب فيها عاشقا متلهفا
مشتاقا
-....
-والحب كالحياة مغامرة ومخاطرة يجب خوضها حتى لو فشلنا
مرة .. سنعاود مرة اخرى واخرى ..والتجربة وان لحقها فشل خير بكثير من عدم التجربة
.. واني اظن انه ان كان للتجربة الم فهو اهون من ندم عدم التجربه والقول لو اني ..
لربما
.. – اجل
... - لا تبقى خائفا .. ساكنا .. متحجرا في مكانك .. انطلق
اصنع حياتك وقراراتك بيديك لا تنتظر الايام تقرر مصيرك.. لا تكن كالمستنقع لا حراك
فيه الا نقيق ضفادع مستمر ممل لا تجديد فيه .. كن كالبحر هادرا احيانا وهادئا اخرى
.. كن كالبحر بامواجه وجزره ومده .. كن جريئا ودع قلبك يحلق .. فانت وان ادعيت انه
ضعيف لكنه بحاجه للطيران وطيرانه وسقوطه سيقويانه .. اتفهمني
- افهمك
- في نهاية المطاف هي حياتك وانت الوحيد المؤهل لتعرف كيف تديرها وكيف تختار
فيها
... - اعلم .. ولكن .. قلت مترددا بينما رسم هو ابتسامة ساحرة
على شفته وامسك يدي ضاغطا عليها يشجعني ...