Subscribe

RSS Feed (xml)

Powered By

Skin Design:
Free Blogger Skins

Powered by Blogger

19‏/12‏/2009

خريف عمر !!






ذات مساء والشمس تلملم اشعتها مودعة هذا الجزء من كوكبنا على وعد اللقاء في صباح الغد .
وبعض طيور تطير مسرعة الى اعشاشها .. وبعض نجيمات جريئة اولى تلألأت مستغلة تراجع الشمس.
كنت جالسا على المقعد الخشبي الاخضر اقضم احدى تفاحاتي الصفراء اللذيذه .. واذ برجل عجوز رسم الزمن
معالمه على وجهه وخطت الايام اثرها على ثيابه الرثة التي يبدو انه لا يملك غيرها .
لا ادري ما الذي جذبني الى هذا العجوز الجالس جانبي ، ربما الحزن المطل من عينيه او ربما الكلام الظاهر على شفتيه يريد ان ينطق به .
عرضت عليه تفاحة من كيس التفاح امامي فابتسم متقبلا هديتي مستغلا الفرصة لكسر الصمت بيننا .
تبادلنا اطراف حديث عادي سريع ما بين شكره لي على التفاحة وتعليق على الجو وتقلباته..لكنني سرعان ما تركته مع التفاحة يلتهمها بشغف .


بعد تلك الامسية بامستين او ثلاث .. كنت جالسا على نفس المقعد الخشبي الاخضر .. واوراق شجر صفراء متساقطة عن اشجارها تتطاير هنا وهناك .
كنت غارقا في قصة حب " محسن " عصفور الشرق الذي ابدعها توفيق الحكيم في روايته .. سحبني من عالم محسن الرومانسي صوت ضعيف
- طاب مساؤك !
كان نفس العجوز بنفس ثيابه الرثه .. معطفه الرمادي وبنطاله الاسود .. ابتسمت سعيدا برؤيته مرة اخرى
جلس مترنحا جانبي سائلا عن احوالي وتحادثنا .. عرفت انه ينتمي مثلي لاحدى بلاد الشرق...


كان في ريعان الشباب حين قدم هاربا من " جحيم " بلاده الى " جنه " اوروبا الموهومه .. لكن فور وصوله صحا من احلام التحليق في الجنه واصطدم على صخرة الواقع .. وجد المال لكنه فقد دفئ الشرق .. سكن غرفة صغيرة على احدى السطوح ونام على فرش مهترئ بارد كان يجتر عليه كل ليلة حزنه واشتياقه لبلده وامه
تلك السيدة الوقور التي ودعها حالما ان يعود اليها غنيا بعد بضع سنين لكن لم يرها بعد ذلك .. ما زال يذكرها بلباسها الريفي الاسود تقف على عتبة الباب مودعه ودموعها تنساب على خدها زخات زخات !
لو كان يعرف انه سيراها للمره الاخيره لوقف ساعات يتأملها .. لكنه وقتها خجل من دمعه واستحيى من دمع امه ففر من دموعه ودموعها سريعا ...


عانى الاشتياق طويلا لكن معركه الحياة الجديده صلبت قلبه فلم يعد يدق الا ليعيش.. واخذته دوامة الحياه وعرف فراشه الذي شرب دموعه مغامراته النسائيه التي حاول بها نسيان واقعه وحنينه كما غرقت وسادته بانفاسه المخموره ليالي كثيره حين كان يهرب بالخمر من مأساته !


لم يكن يستطيع عودة ولم يكن يرغب خصوصا بعد ان عرف ان ما يربطه هناك – امه – ذهبت هي الاخرى لكن دون رجعه .. على الاقل هي ذهبت لباريها اما هو فما زال هنا يعاني برد جنه الوهم وبرود ساكنيها !


لم يستطع عودة ولم يطق بقاء .. كان اضعف من ان يتغلب على حنينه واستلم لشهواته.. غيره وصل هنا نجح وارتفع .. لكن هو ذلك الفتى الساذج الذي منذ نعومه اظافره لم يعرف سوى ارضه يحرثها ويرعاها غرر به وهم جنه اوروبا فباع ارضه وخرج مطاردا حلما وسرابا...


ومرت به الاعوام ما كان يربحه كان يضيعه على زجاجات الخمر مهربه الوحيد من هذا العالم .. فما عرف الحب مرة وهو غائب عن الوجود ولا ذاق للعمر من طعم فتسرب من يديه .. وخرج من شبابه بلا حب بلا امرأه بلا عائلة بلا امل ...
ولم ينتظره الزمن وتسابق الشيب الى راسه وانحنى ظهره.. وصل لعمر لم يعد له مكان للعمل وصارا وحيدا يقضي ايامه ندما على ما فات...


كان يروي لي كل مره جزء من حكايته وليالي وحدته كل جمعه مساء حيث قال لي مرة " ساكون مساء كل جمعه هنا "! .. لم اخيبه فصرت ات كل مساء جمعه لنفس المقعد الخشبي الاخضر استمع اليه ورغم ان الشتاء وامسياته البارده بدأت تتسلل كنت حريصا على الحضور .. الا من تلك الجمعه تأخرت بها .. لكني وجدته يجلس هناك وحده منكمشا على نفسه بنفس معطفه الرمادي الرث .. لما راني نهض واقفا وقبل ان اقول أي كلمة او اعتذر قال لي : " الحمد لله انك اتيت.. كنت اريد ان اراك .. فانا راحل ! "
"قررت العوده لبلدك اخيرا؟ " اجبته سائلا بحماس .. فابتسم ابتسامه حزينه وقال " بل لمكان اكثر امانا!! " وقبل ان اسأل أي سؤال ادار ظهره وتركني واقفا وحيدا تحت الشجرة العاريه المرتجفه من برد الشتاء.


لم افهم ما اراد قوله .. ظننت انه عاد لشرابه .. تابعته بنظراتي وهو يمشي مترنحا بمشيته حتى اختفى طيفه في الظلام...
مر اسبوع اخذتني به الدنيا وسحبتني في دوامتها .. وجاءت جمعه اخرى ومساء اخر من امسيات الشتاء الطويل .. كانت السماء صافيه الا من بعض غيمات منسحبه بعد ان انزلت ما لديها من امطار طوال النهار ...


ذهبت الى المقعد الخشبي الاخضر كعادتي رغم برد الشتاء منتظرا صديقي الجديد الذي شاركني مقعدي وامسياتي
انتظرت وانتظرت ولكنه لم يات !
ومرت جمعه واثنتين ولم يظهر صديقي العجوز....


وهاهو الشتاء قد رحل او على وشك الرحيل.. زقزقه العصافير تبشر بقرب الربيع .. والشجرة العريانه بجانب المقعد الخشبي الاخضر بدات تلبس حلة جديده من اوراق خضراء ناضره ..والامسيات صارت اكثر دفئا وروعه خصوصا مع رونق العبير الصادر من اولى الورود المتفتحه ....
وما زلت اتي لمقعدي الخشبي الاخضر كل مساء جمعه رغم اني متيقن انه رحل .. الا اني ما زلت اجلس انتظره هناك على مقعدنا .....


هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

شي رائع
اني احب البحر مثلك احس انه يمتص همي وحزني ويجعلني اسير له فالبحر لا نهايه له
في يوم رميت امنيات في البحر لتتحق ولكنها لم تتحقق بعد

mody-3loshi يقول...

تحــــــــــــــــــــــــــــــــفة بجد
لانها حزينة غصبن عنى دموعى نزلت
جميل اوى ان يكون ليك صديق تحس انة متهم بيك و بيسمعك و الاكن الفراق صعب و الاصعب منة الوحدة