الحلقة الثانية
هل حياة الإنسان تبدأ حين يولد ؟؟
وهل تحسب سني عمره التي تمضي برتابة وروتين .. تمضي لأنها لا بد أن تسير مع الحياة دون أن تغير فيها شئ؟
وكيف يقاس العمر ؟ أ بعدد الأيام والسنين ؟
أم يقاس بتلك اللحظات التي يشعر الإنسان فيها بمعنى الحياة ؟.
بتلك اللحظات التي يكتشف بها نفسه ويبدأ يحب وجوده في هذه الدنيا .. ويخط له فيها خطوطا ويترك في ذاكرته منها أثارا وعلامات !
لن أعود إلى بعيد بعيد إن أردت أن أسير على هذا القياس
احد الأيام الصيفية هناك يبدأ عندي تدفق الذكريات .. في الخامس عشر من يوليو وفي المكتبة الباريسية الكبيرة
كنت أقف في ركن الكتب العربية مع صديقتي رجاء .. اذكر ذلك اليوم وتاريخه
فقبلها بيوم واحد احتفلت فرنسا بعيد ثورتها التي ألهمت الثورات بعدها في العالم
وصارت رمز كل حرية وثوار بألوانها الثلاثة الأحمر والأزرق والأبيض
وبشعارها الشهير " مساواة .. أخوه .. حرية "!!
هنالك أيام في التاريخ غيرت معالمه وقلبت في العالم صفحات
وكان لها في مسيرة البشرية علامات
ومنها يوم الرابع عشر من يوليو عام 1789 .. حين قام الشعب من فقره وبؤسه واسقط سجن الباستيل
وأسدل معه الستار على حقبة من الزمان وفتح آخر على سطور جديدة في التاريخ تركت لها في كل
العالم بصمات!
طالما صدمتي تلك السنوات العشر من تاريخ ثورة صارت رمزا للحرية .. لحرية لطخت بدماء!
ولكن هذه ضريبة الحريات ..وما صعودها إلا على جثث وانهار دم حمراء !
الم يقل شوقي يوما : " وللحرية الحمراء باب .. بكل يد مدرجة يدق "!!
وقد اندفعت الجموع من الفقراء دون حساب تقودهم رغبة من انتقام على أيام الشقاء لينتزعوا حريتهم ويعلموها
للعالم ..
وقد قال فيلسوف عصر التنوير فولتير الذي تركت أفكاره تأثيرا على الثورة التي لم يشهدها
"ما رأيت شيئا ً يسوق الناس إلى الحرية بعنف مثل الطغيان "
وقد دفع الطغيان ثمنا باهظا طارت فيه رقاب ومنها أيضا رقاب أبرياء!...
كنت أقف في الرابع عشر من يوليو حيث تحتفل فرنسا كل عام بثورتها وجمهوريتها بين الجموع
المحتشدة المتزاحمة في جادة "الشانزلزيه " الشهيرة منذ الصباح
كل يحاول أن يكون اقرب إلى الحواجز التي وضعت على جوانب الشارع وكل يحاول أن يحصل على أفضل وضعيه يرى فيها ويلتقط الصور .
كان صباحا صيفيا رائعا جاء بعد يومين من المطر حملته غيوم متمردة .. رفضت أن تنتظر فصلها فصل الشتاء
فجاءت متحدية الصيف وقالت كلمتها بدموعها التي سكبتها مياه غمرت الشوارع وحررتها من أشعة الشمس
التي لم تتوانى عن جلدها بأشعتها الساخنة الملتهبة لأيام طويلة .
وهاهي تعود الشمس بعد يومين من الاحتجاب مرسلة أشعة رقيقة استطلاعية بعد الانقلاب الذي أحدثه الغيوم
من يومين !
العلم الفرنسي بألوانه الثلاث كان متدليا من قوس النصر الواقف في قمة جادة " الشانزلزيه " والذي ارتسمت على جوانبه ذكرى ما مر عليه من أحداث
كان العلم متوسطا فتحة القوس مترفرفا يحيي الطلائع الأولى من كتيبة الدبابات التي كانت تمر أمام الناس
في عرض عسكري كبير .. تظهر به الجمهورية قواتها للناس وتكرمها .
كنت أقف هناك وسط الحشود ارفع رأسي إلى السماء أشاهد بإعجاب الطائرات المارة فوقي والى جانبي كالعادة صديقتي المقربة رجاء تشير إلى إحداها بحماس .
كان يوما رائعا التقي به لأول مرة مع ذكرى ثورتهم ولم أكن اعرف أن يوما واحدا فقط بعده سيكون لأيامي ومشاعري ثورتها الخاصة ...!
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق