وجاء يوم الاثنين أول أيام الأسبوع ها هنا ..كان يوما غائما خانقا احتلت به الغيوم المثقلة وجه السماء فضغطت الحرارة وحبستها ما بينها وبين الأرض .. فكانت ثقيلة على البشر!
وجاءت رجاء بثوب احمر متهللة فرحة رغم كآبة الجو وبيدها وردة حمراء .. أخرجتها ملوحة فور رؤيتها لي
" انظر.. لقد أعطاني وردة .. في الحفل..." كانت تقول بسرور
كنت أرسم ابتسامة ..جاهدت لأعليها على شفتي .. كنت في الداخل اغلي .. لم استطع تهنئتها رغم محاولاتي المستميتة لكني قلت ببرود
" هذا رائع.. لكن ألا ترين انك تتسرعين ؟ .. نحن لم نعرفه بشكل جيد بعد !"
"هو شخص جيد .. وأنت لاحظت شخصيته الرائعة ..وقد قلت لي هذا من قبل ......"
كانت تحاول أن تدافع عن حب بدأ ينبت بين جنباتها..
لكني لم استمع لباقي جملتها ودفاعها .. كنت انظر للوردة الحمراء .. أتخيلها في يدي !
كان يقتلني هذا الشعور .. كنت أتمنى أن أشاركها سعادتها .. أن أفرح لها من قلبي وأن أتوقف عن الغيرة منها !
كانت العلاقة تنمو بينهم يوما بعد يوما .. كانت تندفع إليه بحماس .. وكنت أنا احترق مكاني محاولا أن أكون طبيعيا دون كثير من النجاح في ذلك .
كانت سعادتهم تؤرق مضجعي .. وتزيد صراعاتي .. فمن ناحية كنت أريد السعادة لرجاء .. وكنت أريد أن أسعد معها وأفرح لها .
ومن ناحية كنت أريد رياض .. كنت أريده لي .. أريد أن أكون أنا مكانها .. أبادله الابتسامات والغمزات المسترقة
بين رفوف الكتب ..أبادله النظرات الناطقة والهمسات الحائرة بين الشفاه والآذان .
وكانت النار تستعر بين أضلعي .. وأثقلت بحرارة اللوعة كاهلي !
كان لسان حالي كلسان حال شاعر الشباب أحمد رامي حين قال :
" همان أحمل واحدا في أضلعي .... فأطيقه بتجلدي وأناتي
وأغالب الثاني ومالي حيلة ...... بعد الذي أرسلت من عبراتي "
فصرت أفر بناري .. حتى إن استعرت أحرقتني وحدي دون أن تمس بتمردها من حولي!
وصارت صديقتي تلاحظ ابتعادي وكنت أتعلل ببعض المشاغل .. وببعض القراءات !
كنت أراهم يتقاربون من بعض .. ولكن لاحظت منه تردد .. لم أدرك كنهه وقتها .. وكأنه متوجس خيفه من الإقدام .. كنت أظن أن وهمي يصور لي الأمر !
أغرقت نفسي بالكتب في أوقات فراغ العمل .. متجنبا إلى أقصى حد أي اتصال بهم .. كنت أخدر نفسي بقصص العاشقين في الروايات .. أعيش معهم آلامهم وأفراحهم .. ابحث بينهم عن من يشبهني .
فهمت صراع الراهب هيبا في رواية عزازيل أكثر وتعاطفت معه ورفقت لصراعه مع شيطانه .. فما صراعه ببعيد عن صراعي !
واستوعبت محسن عصفور الشرق بعد أن كنت اهزأ من عشقه الأثيري وانتظاره ساعات بقهوة أمام المسرح لرؤية حبيبته .. فلم أكن قد ذقت للحب معنى حينها !
وشعرت بعجز أحدب نوتردام أمام عشقه المستحيل للغجرية الحسناء العاشقة لغيره !
تنقلت بين شعر ونثر وحاولت أن أتوه في العصور مع كتب التاريخ .. فكنت أنتقل من حضارات الهلال الخصيب ووادي النيل إلى مجاهل الأمازون .. ومن فجر التاريخ إلى مطالع القرن العشرين
كنت أفتح أحيانا أي كتاب أجده حتى أوهمهم بانشغالي وكنت أنظر للكلمات دون استيعابها .. كنت أحاول من كل ذلك هرب وابتعاد قدر المستطاع .
كنت أتابع جان فال جان في مسيرة حياته البائسة في بؤساء فيكتور هوجو حين جلست رجاء أمامي على الطاولة
" ماذا بك ؟ " سألت بشكل مباشر
" ماذا بي ؟ " قلت لها مصطنعا التعجب
" تغيرت أحوالك ولم تعد تعجبني ! .. لم تعد ترد على اتصالاتي إلا نادرا .. وفي المرات التي ترد فيها تكاد لا تنطق إلا لتقول نعم .. اجل .. صحيح !! "
" لا ادري أشعر ببعض التعب بالفترة الأخيرة .. وعندي بعض الأوراق والأمور المهمة التي تشغلني وعلي إنهاءها " قلت متعللا
" أ متضايق أنت من علاقتي وتقربي من رياض ؟ " قالت بصراحة تعودتها منها
"ماذا تقولين؟؟ كلا.. كلا..بالعكس " قلت متلعثما متفاجئا من السؤال .. غير واثق بماذا أراد عليها
- " عذرا!! " قال عجوز مقاطعا حديثنا
" حسنا .. حين تقرر أن تخبرني .. فأنا دائما موجودة " قالت حاسمة الأمر قبل أن تلتفت إلى السائل بابتسامة مستفسرة عن طلبه .. ومن ثم توجهت معه إلى إحدى الأقسام تدله على مبتغاه
تنفست الصعداء بعد أن أنقذني هذا السيد من موقفي ...!
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق