لابد لي أن أقف هنا قليلا .. فلصديقتي علي حق أن أعرفكم بها يا قلمي ووريقاتي فانتم أصدقائي الجدد ..كانت رجاء فتاة متفتحة العقلية .. محتشمة اللباس .. سمراء أول ما يلفتك إليها عيون شديدة السواد محورةٌ كأَعين الظباء ساحرة ..
عرفتها في العام الفائت حين كنا نتعلم في نفس المدرسة للغة الفرنسية .. جاءت إلى فرنسا لتكمل دراستها في الترجمة .. منذ الأيام الأولى حصل بيننا ذلك التفاعل الكيميائي الذي انشأ بيننا روابط شديدة .. عرفت عنها كل شئ .. وعرفت عني كل شئ حتى أخطر أسراري !!
قدمت أوراقها لبعض الجامعات بعد أن أنهينا دراسة اللغة فقُبلت في جنوب فرنسا .. فرحت جدا لكونها ستقترب للبحر .. أكثر شئ تستفقده من بلادها !
أما أنا فقد كنت قد قُبلت في باريس .. فرحت أيضا لكن نغص علي فراقنا القريب المحتوم.. لكن بفرحها الذي تنشره حولها دائما .. خففت عني قائلة أننا في عصر السرعة والتطور والقطار هنا يقطع المسافات الطويلة ببضع سويعات .
وجاء الصيف .. وبحثنا عن عمل نقضي به صيفنا ونجمع بعض المال استعداد لسنتنا الدراسية الأولى في بلد الغربة هذا .. بحثنا معا .. وجدنا معا .. وعملنا معا في المكتبة !
وها أنا أعود من جديد للمكتبة .. حيث بدأ كل شئ ...
لا ادري متى ظهرت مشاعر الحب نحو زميلنا الجديد تلك .. فلم يمضي على وجوده معنا إلا أسبوع .. استطاع أن يأسر به لبي .
كنت أكتم وأتجاهل تلك المشاعر .. حتى كان يوما رتبت به معه بعضا من الكتب التي جمعناها بعد أن كانت موزعة هنا وهناك على الطاولات .. كنت أسير محملا ببعضها نحو الرفوف المعدة لها فسقطت متبعثرة مني على الأرض .
فجاء يومها ليلم معي الكتب .. ولامست يده من غير قصد يدي !
وكأن تيار كهربائي مسني وضرب مباشرة صميم قلبي.. ليهدم ذاك الجدار الذي بنيته حول مشاعر كانت قد بدأت تتشكل نحوه .. هدمه لتنطلق منه مشاعري معلنة ومؤكدة وجودها صراحة رافضة التخلي عن احتلالها لقلبي الخافق بين أضلعي بشدة على اثر ذلك التلامس !!
كم كان فولتير صادقا حين قال مرة " الحب من سائر كل العواطف هو أشدها فهو يهاجم في آن واحد القلب والرأس والحواس "!
فقد أعلن الحب علي حربه وكم من السهل أن تشتعل حرب الحب ولكن من الصعب إخمادها بعد ذلك !
كم يصعب علي الآن إعادة تلك الصور أمامي ..ففي هذه الصور التي أحاول بك يا قلمي أن ارسمها هنا بكلمات على وريقاتي ففيها هناك يبدأ كل شئ وما بقي يا قلمي إلا أنت وهن لسماعي !
كانت حياتي قبل ذلك هادئة تمضي بتكاسل لا جديد فيها .. أعيشها لأنها لابد أن تمر ثم جاء هو ليعصف بأيامي
ليؤلب علي مشاعري ويثيرها ضدي .
لتتمرد علي بعد أن كتمتها طويلا !
قررت وقتها أن أتحاشاه .. وكان معنى ذلك أن أتحاشاها هي أيضا.. فقد كانت تمضي معه فترة طويلة .. صرت اهرب من أي مكان يجمعني بهما .. وهما علاقتهما كانت تزداد قوة وصرت ألمح إمارات الإعجاب في عيني صديقتي رجاء .
كنت أتعذب .. حاولت دفن مشاعري في قلبي .. كانت الحيرة تشغلني .. كيف أحبه وهو ليس مثلي ؟؟.. كيف أحبه وهناك علاقة تولد بينه وبين اعز أصدقائي؟.. كيف أبني سعادتي على شقاءها ؟!!
غير منطقي يا قلبي ما تطالبني به فكف عن لهوك بي كنت اصرخ به كل ليلة وأنا أتقلب على فراشي .. فيهزأ مني كل مرة مجيبا " ومنذ متى والحب يعرف المنطق ؟" !
" هناك حفلة في باحة معهد العالم العربي غدا " أعلن أمامي رياض في مساء يوم الجمعة السابق لعطلة نهاية الأسبوع موجها كلامه لصديقتي ولي
"ما رأيكم بالذهاب ؟" توجه مستفسرا .. تحمست رجاء للفكرة موافقة ناظرة إلي متسائلة عن رأيي .. كنت أتمنى الذهاب .. لكن كيف لي أن أذهب معهم وأقف هناك إلى جانبهم دون أن يشعروا بي ؟ وكيف أضيف على نفسي يوما أخر من العذاب فوق أيام الأسبوع التي لم أعد ادري كيف تمر ؟
وبعد برهة صمت كانت تدور خلالها دوامة الأسئلة في رأسي اعتذرت لهم عن الذهاب متحججا بأعمال خاصة علي أن انهيها ...
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق