لا ادري ماذا حل بي .. اشعر بلهيب يحرقني من الداخل وبوجنتي يتدفق اليهن
الدم كانه البركان فيحولهما الى جمرات حمر ! اسبوعين وانا غير طبيعي
.. ارش الماء على وجهي من حنفيه الحمام المفتوحة امامي فاحسه يتحول من فوره الى
بخار .. امامي بالمراه ارى وجهي الاربعيني بعيون زرقاء فيها بريق غريب كانه برق
ازرق لم اكن قد رايته يلتمع فيهما من قبل !
شعري الكستنائي ما زال
محافظا على لونه وان لم يحافظ على كثافته والجيوش البيضاء من الشيب التي لم تفلح
في غزوه تعسكرت في لحيتي فصارت بيضاء انيقه على وجهي .. ابتسمت وانا انظر الى
معالم وجهي لارى تلك الابتسامة التي طالما وصفوها بالساحره.. لكنها كانت باهته
مرهقه من اثر خفقان قلبي السريع ! أ يعقل ان يكون هو السبب
؟ .. كلما جاء موعد اجتماعنا اليومي لمناقشة المشروع يحدث بي هذا .. تعصف بجنباتي
ريح غريبه ويرتعش قلبي في قفصه الصدري وتضطرب انفاسي وتثقل حتى اكاد اختنق ..
وتشتعل النار في اضلعي واضطر كل مرة ان الجأ الى الحمام اغسل وجهي والتقط انفاسي
واتأكد من مظهري وتفاصيله من قميصي الى ربطة عنقي الى شعري ولحيتي المهذبة البيضاء
مر
اربعة عشر يوما منذ رايته اول مرة .. اسبوعين كاملين .. اكتمل بهما القمر فصار
بدرا كاملا يتربع على عرشه في قبة السماء .. وصار هو قمر يضيئ قلبي .. وينتظرني كل
مساء متأنقا في قاعة الاجتماعات !
ارسلتني
شركتي على رأس فريق عمل الى هذه المدينة الجبلية الساحرة للقاء ممثلي الشركه التي
نتعاون معها على انجاز مشروع كبير .. وكان هو على رأس فريق عمله .. شاب يصغرني
بعشر سنوات او ربما اكثر بقليل في مطلع الثلاثينيات من عمره .. شعره اسود براق
وعيونه عسلية عميقة تختطف الانفاس .. اما ابتسامته فشعاع ابيض حين تنفرج شفتاه
الشهيتين مبتسما تكشف عن لؤلؤ منثور في فمه ..حين سلمت عليه في لقائي الاول به لم
اكن اريد ان افلت يدي من يده .. فيه جاذبيه غريبة شدتني اليه فاستسلمت بكل ارادتي
لشباكه ..وحين تحدثنا لاحقا زاد بي الافتتان .. متحدث لبق .. مثقف وخبير بعمله ..
يستحق فعلا ان يكون على راس فريق عمله . جذبني اليه بشكل غريب فهو من اؤلائك الاشخاص
الذين يشعون وينثرون سعاده وحياة حولهم والذين نستمتع فعلا بالتواجد معهم من النوع
الذي حين تراه اول مرة تشعر انك تعرفه منذ الاف السنين وكأنكما التقيتما في عوالم
او حيوات
اخرى .. صرت اتلهف
للقاءه والعمل معه وتناول الغداء والعشاء على طاولته ... وفي احدى الامسيات وانا
مستلقي على سريري وكان عبد الوهاب يغني بشجن قصيدة احمد شوقي مضناك جفاه مرقده وجدتني
اسرح مع الاغنيه كما لم افعل من اقبل اصغي لكل كلمة فيها " الحسن حلفت بيوسفه .. والصورة انك
مفرده .. وتمنت كل مقطعة يدها .. لو تبعث تشهده " كان يغني الاستاذ وانا تائه.. امام
عيني لا ارى الا صورته .. وهنا دق ناقوس الخطر في رأسي واضاء نورا احمرا .. قمت
الى الشباك فتحته واستنشقت نسيم الليل الجيلي .. أ يعقل ما انا به ؟
فتلك
الاشارات كلها هي من اعراض الحب .. افكر فيه طوال الوقت .. اشتاق للقاءه .. انظر
الى المراه الف مرة قبل اجتماعنا المسائي .. واتلعثم حين اكلمه .. تسري بجسدي رعشة
حين يبتسم وتشتعل عيني بريقا حين تلتقي بعينيه .. هو الحب لا محاله .. كنت اظنني
احببت مرات عديدة في شبابي .. لكني ابدا لم اشعر بشئ مشابه .. والمخيف بالامر ليس
انني احب فقط بل انني احب شابا .. رجلا من جنسي !
كنت
قد احببت فتيات كثيرة من قبل او هذا ما كنت اظنه .. مشيت مع كثيرات وضاجعت العديد
منهن .. حتى اني تزوجت .. ولدي ولدان .. صحيح ان زاوجي فشل وانا منفصل الان عن
زوجتي الا اني قد بلغ بي الامر بعد العديد من علاقاتي النسائيه اني اصطفيت واحدة
وتزوجتها !
فكيف
لي وانا لم ارغب مرة برجل ولا خطر لي ببال ان احبه .. فما هذا يحدث معي؟ .. ظلت
الافكار تعصف بي طوال الليل .. بين عقل حائر بما يحدث وقلب يعرف ما يريد .. يريده
هو !
وزاد
الطين بلة في صباح اليوم التالي .. فلقد فتح لي باب للامل وجعل قلبي يخفق اكثر
رغبة بتحقيق مراده ..ففي معرض حديثي مع احدهم كشف لي ان ذلك الشاب مثلي الجنس !
لقد
انتابني فرح ما .. لم اتواجد بالقرب من مثلي من قبل .. طبعا كنت اسمع عنهم وارى
مسيراتهم التي يبثها التلفاز كل عام في الصيف لكن الامر لم يكن الامر يتعدى ذلك لم
اهتم بهم حقا من قبل ولم يكن يضايقني وجودهم .. كان امرا عاديا .. لكن كونه مثلي الان
يهمني جدا ويدغدغ بي شعورا غريبا من السعاده !...
ما
زلت اقف امام المراه انظر لوجهي الذي تسيل عليه قطرات الماء واعيد غسله للمرة
الرابعه كنت غارقا بافكاري .. كنت بدوامة تسحبني الى اعماق مظلمة لا ادري ماذا
افعل كل يوم يمر علي يزيد اضطرابي .. واليوم وقد بدأت اشعر بالزمن يتسرب وساجد نفسي
قريبا على مشارف نهاية بعثتي هذه دون ان اصرح عن مشاعري وساعيش معذبا بها طوال
حياتي .. فكان لابد ان اعترف له ان احدثه لعله يساعدني .. لا خبرة لي بحب الرجال
لكنه مثلي ولابد انه يعرف اكثر مني .. ورطتني عيناه بحبه فليخلصني هو من هذا الاسر
.
قررت
ان ادعوه لشرب شئ خارج هذا المبنى الخانق الذي نعمل به وهناك ان احدثه عن سري
الدفين وعن المرض الذي الم بي .. كان يتطلب الامر مني شجاعة فطال وقوفي هذه المرة
في الحمام .. نظرت الى ساعتي ورايت اني قد تاخرت خمس دقائق عن موعد لقائنا اليومي ..
كان يجب ان اخرج .. اخذت نفسا عميق وتوجهت بخطى احاول ضبطتها حتى لا تفضح اضطرابي
الى قاعة الاجتماعات ...
كان
يجلس هناك كاحد ابطال الميثولوجيا الاغريقيه لكن لم استطع ان اجد له اسما فالجمال
في اليونان كان له الهة انثى افروديت ولو كان لها نظيرا ذكرا لكان هو .. امامه
ملفات علينا ان ننقاشها في الساعتين القادمتين .. حاولت ان اظل متنبها الا ان فكري
كان مشغولا بالجملة التي ساقولها له لادعوه للخروج وشرب شئ ما معا في الخارج وربما
التجول قليلا في المدينه .
"
حسنا هذا جيد .. سنكمل باقي المسائل غدا " قال لي بعض مضي الساعتين وكان
الوقت بهما طويلا وكنت كمن يجلس على الجمر .. " اود لو اخرج قليلا من جو
العمل واحتساء شئ في الخارج هل تود مرافقتي ؟ " قلت بسرعه متلعثما مرتبا
الملفات امامي حتى لا انظر اليه .. مرت لحظة صمت رفعت بها عيني اليه وقد ظننت انه
لم يفهم مما قلته شيئا فقد قذفت الكلام قذفا .
"
بكل سرور " اجاب مبتسما ولكن يبدو عليه بعض الاستغراب
"
حسنا ساصعد لاضع الملفات في غرفتي والقاك بعد ربع ساعة على المدخل "
"
ربع ساعه ..هذا جيد "
صعدت
مسرعا .. رميت بالملفات على سريري .. فككت ربطة عنقي والقيتها ارضا وفتحت زرين في
قميصي رششت عطرا .. نظرت للمراه وحسنت تسريحة شعري ونزلت اليه ...
جلست
مقابله في احدى المطاعم امامي قطعة من الكعك لم المسها وفنجان قهوة فارغا تحدثنا
في امور عدة .. كنت طوال الوقت اشيح بنظري عنه هاربا بعيني الى النافذة المطلة على
الخارج .. كان ظلام دامس يتراى به اضواء البيوت في السهل المستلقي منذ الازل في
اسفل الجبل وكأنها نجوم تتلألأ في بحر من الظلمات .. تحدث كثيرا وكنت اكاد لا انصت
اليه .. كان جل كلامه عن المشروع والعمل
"
ماذا بك ؟ .. تبدو مشغول البال .. هل كل شئ على ما يرام " سأل وهو يلاحظ
سكوتي ويرى معالم القلق ترتسم على وجهي .. اما الان او فلاصمت الى الابد هذا ما
قلت لنفسي
"
انني مريض " !
"
مريض ؟ .. ماذا بك ؟ "
"
انني مريض بك " ! .. قلتها وانا انظر اليه .. تلاشت فجأة البسمة عن وجهه
وهربت الدماء من وجنتيه .
"
لا ادري من اين اتت تلك النار التي تشتعل بي .. منذ لمست يدك اول مرة اصافحك امسك
اللهيب باطراف اصابعي واشتعل بجسدي كله ..
بل اظنها اشتعلت قبل ذلك حين التقت عيني بعينك وصعقها بريقك فظلت بي مشتعلة كشعلة اوليمبوس
لا تنطفئ " .. قلت قبل ان يستطيع ان يقول شيئا .. وتابعت دون حتى ان التقط
انفاسي .. " لم افهم لحالتي تلك سبب ولكنها اعراض الحب لا شك في ذلك ..قد
يصدمك ما اقول وتستغربه .. وانا لست اقل منك استغرابا ودهشة لكن الحب لا منطق فيه
هذا ما اكتشفته وكم هو غريب الحب .. فانا
لم احب رجلا من قبل .. عشت طوال سنواتي الاربعين كمغاير احببت النساء ضاجعتهن
وتزوجت احداهن .. لكني اليوم اعشق عشقا مختلفا .. اتذوق طعما للحب لم اعرفه من قبل
.. لم اكن اتصور يوما انه يسكني .. قد تظن ان المسألة هي رغبة بتجربة جنسية لكن
المسألة ليست كذلك ابدا .. تبا لا اذكر من قال مرة بأن المتعة الجنسية وحدها لا يمكن أن
تشرح رغبة ذكر في آخر انها ارواحهم هي التي تتوق إلى أمر آخر لا يمكنهم تسميته .. كنت قراتها مرة وتحضرني الان
بقوة فروحي فعلا تطوق اليك بشئ لا يمكنني ان اسميه .. لم اختبر حبا كهذا من قبل ..
حب زلزل اركاني ولم يدع لي المجال الا ان ابوح او ان اكتمه في نفسي حتى يقتلني
اختناقا .. لا ادري مالذي انتظره منك .. لكنك لابد وانك تعلم معنى الحب .. وتعرف
هذا الحب بالذات .. فساعدني .. اخرجني من هذه العاصفه ..امسك بيدي وارفعني الى بر
الامان ..."
سادت
لحظات من الصمت بدت كانها الابد .. كنت انظر اليه وهو يحاول ان يسيطر على رعشة
اجتاحت جسده
"
انا .. انا .." تمتم كاسرا الصمت .. " لا ادري ما اقول لك .. فالصدمة
اكبر من ان اعلق عليها .. لكننا .. لكننا من عالمين مختلفين .. لك حياتك ولي حياتي
..."
"
اعرف .. اعرف .. ولكن ..."
"
ارجوك " قال مقاطعا .." ليس هناك لكن .. مشاعرك التي انسكبت كفيضان الان
ستؤثر على اي كلام سيقال .. وصدمتني تمنعني من التفكير .. دعنا نعود الى مركزنا .. تاخر
الوقت ولدينا عمل في الصباح "
صمت
وقمت خلفه وهو يبتعد نحو الباب ارتحت ببوحي وتعذبت بصده .. بقينا صامتين حتى وصلنا
وصعد كل منا الى غرفته .. جلست في صمت الغرفه لا ادري بماذا افكر .. كيف ساواجهه
في الايام المقبله ؟ .. هل كنت مخطئا ببوحي ؟ .. كلا فهو قرار اتخذته اراحني رغم
ما يحمل من عذاب واني اتحمل تبعاته ...
لم
ادر كم من وقت مضى وانا اجلس تلفني العتمة وصمت الليل .. حين سمعت طرقات خفيفة على
باب غرفتي .. فتحت فاذ به هو ينقض على شفتاي مقبلا دون مقدمات ووجدتني بكل لهفتي
التقطت قبلاته واستنشق انفاسه المحمومة متيحا لرئتي ان تمتصها وتنشرها في جسدي حتى
تسكنني بعض من روحه .
اندفعنا
الى السرير نلقي بملابسنا في كل اتجاه واستلقينا عاريان تمام بين الوسائد والاغطية
.. هذا هو جسد الرجل اذن .. لم اذقه من قبل .. اكتشفته بتان ودقة .. لم اكن اعرف
انه ملئ بالسحر وان بكل شبر فيه رغبة متفجرة .. جسد الرجل كان خيال لم يخاطرني
يوما .. ولكني اليوم وانا اكتشفه واتذوق ثماره اليانعه افكر في ايام وسنين مضت كنت
تائها عنه .. ابعد عني اي احساس يعكر صفو اللحظه واندفع في غزوي للجسد الذكري المنحوت
بين يدي .. كان دافئا .. تبعث منه رائحة الزهور وشهي كان حتى الثمالة .. نهلت منه
ليلتي كلها حتى استنفد مني كل طاقة فارتميت الى جانبه لاهثا .. سعيدا .. منتشيا !
بدأت خيوط الشمس الاولى تتسلل الى غرفتي وتتلصص على
جسدين عاريين غارقين بالنشوة على سريري ..ارتفعت قليلا بذراعي نحوه لاشاهد ذلك
الجسد الذي نهلت منه فرأيته رائعه تلتمع عليها حبات العرق تحت اصابع الشمس الاولى
تداعبه كقطرات ندى على اوراق الورود المستفيقة بكسل من نومها .. ابتسم متعبا .. لم
نقل شيئا .. فضلنا الصمت ..لم نكن بحاجة للكلام .. ظللنا برهة والشمس تزداد
ارتفاعا وتطرد الليل نهائيا من السماء فينسحب ململما نجومه تاركا مكانه لرقعة
زرقاء صافيه .. ثم قام .. لملم ملابسه المتناثرة في كل مكان .. لبس بنطاله قبلني
وخرج بهدوء من الغرفة كنسمة.. على عكس دخوله اليها ليلة امس كعاصفه هبت علي
فجعلتني احلق باجنحة ورقيه .. خرج كنسمة نزلت بي بهدوء حتى لامست بقدمي ارضا قطنية من السعاده ! تحسست مكانه الى جانبي
براحتي ثم مددت انفي اشتمه .. نظرت الى الساعه وكانت تشير عقاربها الى السادسة
صباحا واغلقت عيوني على ظلال ليلة الامس تتراقص على جفوني .. وما فتحتها الا على
رنين الهاتف في العاشرة والنص يوقظني .. قمت متثاقلا غير راغب في الذهاب الى
الحمام حتى لا ازيل اثار جسده عن سجدي ولا اثار قبلته الاخيرة على شفتي .. ولكن
حماما دافئا كان ضروريا حتى استفيق ليوم جديد مشرق !
رغم اني لم انم جيدا تلك
الليله الا ان نشاط غريبا دب في حياه
ودماء جديدة سرت في عروقي .. اعتدلت دقات قلبي التي كانت مضطربة في الايام السابقة
وصارت معزوفة جميله تتراقص على انغامها انفاسي .
لم نتحدث الا في اطار
العمل .. وفي الليل صعد الى غرفتي حيث كنت انتظره دون ميعاد مسبق بيننا .. لثمت
شفتيه ورشفت حلاوة الخمر منهما واعدت اكتشاف جسده من جديد .. وتمددنا صامتين جنبا
الى جنب الا انه قام فجأة نحو النافذه وارسل عينيه الى الافق .. الى خط برتقالي
مشتعل يعلن اقتراب وصول الشمس .. وقال وعيناه غارقتان في الافق البعيد .. "
انا مرتبط ! .. لا اعرف ماذا دهاني ولماذا افعل معك ذلك .." اعتدلت بجلستي
على السرير ولم اقل شيئا .. " كلامك هزني .. لم استطع ان اقاومك .. مشاعرك
سحرتني احببت حبك لي .. اعجبني
ان اكون اول رجل في
حياتك .. وجذبتني وسامتك .. عيناك الزرق كدوامة بحر الدخول اليهما لا عودة فيها
وانا تهت في تيارات عينيك وفي سحر ابتسامتك .. لكني لا استطيع .. فانا ..."
" ارجوك لا تكمل
.." قلت له وقد وقفت خلفه وقبلت كتفه .. " لا اريد ان افكر بشئ الان ..
دعني استمتع باللحظات التي اعيشها معك وما سيأتي من بعد سنجد له حل .. لا اريد ان
افسد سعادتي معك الان .. فالان انا وانت هنا ولا احد سوانا "
لم يكن يهمني انه مرتبط
كل ما اراه الان اننا معا في هذا المكان .. نعمل معا .. نتناول وجباتنا معا وصرنا
نتقاسم بسرية السرير بالليل معا !
وهكذا عشت معه اياما من
الخيال في قلبي سنفونية غير منتهية وفي عيني تتراقص صورته طوال الوقت وفي الليل في
احضانه ابيت .. ولكن الايام تمر سريعة كالحلم .. وشارفت البعثة على الانتهاء مر
اسبوعين اخرين لم اشعر بهما ولم يبقى على تواجدي هنا الا ايام قليلة .. بدأ التوجس
يتسلل الي قلبي فتختل معزوفته ويحل مكان صورته في عيني اطياف الفراق .. كان
يواسيني ويحثني على الاستمتاع بما بقي لنا من وقت واستغلاله قبل ازوفه.. كنت احاول
.. كنت ازرع بذورا للامل في قلبي.. لعلنا لن نفترق .. ارتحل معه او يأتي معي لا
اريد الفراق .. ولكن في رأسي تردد قبل اوانه صوت ام كلثوم .. " يا جارة الايك ايام الهوى ذهبت .. كالحلم اه
لايام الهوى اه" .. كنت احاول ان اطردها من رأسي مؤمنا ان الفراق محال ...
وكانت ليلة اخيرة رتب اغراضه
وحقائبه .. فهو وفريق عمله سيغادرون قبلنا في الصباح الباكر وجاء الي الى الغرفة
على وجهه وجوم لكنه يحاول ان يداريه بابتسامته العذبه قبلني طويلا .. وتعانقت
اجسادنا الظمأى ككل ليلة وغرقنا في بحر الهوى معا .. حتى شارف الليل على الرحيل
" لا ترحل .. تعال
معي " قلت له وانا ممدد الى جانب
" انت تعلم اني يجب
ان اعود الى مدينتي .. هناك تقرير عمل علي تسليمه "
" سلمه وتعال الي
.. او ان شئت ات انا اليك "
" قلت لك من قبل ..
لك حياتك ولي حياتي .. هذه مغامرة عشناها .. حلم .. وحان وقت الاستيقاظ منه "
" لكني اريده ان
يستمر .. ان استيقظ معك واواصل المشوار "
" انت رجل جذاب ..
وسيم .. عيون ذباحة وابتسامة ساحرة .. مثقف .. راقي .. هناك الف من يتمناك
..."
" لكني لا اريد الا
انت "
" دعني اكمل .. كما
قلت فيك مواصفات رائعه .. عشت معك ايام سعيده في اطار العمل وفي احضان هذا السرير
.. لكني كما قلت لك انني مرتبط .. انه يحبني .. وانا احبه .. اعيش معه باستقرار
منذ سنين .. فهل يستحق هذا ان اتنازل عنه من اجل مغامرة .. انت ما زلت جديدا على
ميولك .. ولدت من جديد .. ستكون لك حياه مختلفة لم تعرفها من قبل .. عليك ان تخرج
وتغامر وستعجب بغيري .. ظلت تسكن بك تلك الميول مده طويلة حتى انفجرت فجأة وان لم
تكن انفجرت الان معي لابد وانها كانت ستنفجر مع غيري "
" ولكنها معك تمردت
وانطلقت .. ومعك ذقت طعم الحب الحقيقي .. والحياة مغامرة .. يجب ان نخوضها احيانا
.. ان نخاطر .. خوفنا قد يجعلنا نمر عن احلى ما في الحياة دون ان ننتبه اليه فنخسر
الكثير "
" احببتك اجل فانت
مميز من بين الرجال .. اغرتني المغامرة .. ولكن الان وقت الواقع .. بحثت كثيرا عن
الاستقرار وقد وجدته .. لدي بيت وحبيب ينتظرني به .. قد خنته اجل .. لكني اردت ان
اعيش في حلم قليلا لكن الحياة امر مختلف كليا "
" حياتنا نصنعها
بايدينا .. لا تتنازل عن سعادتك ان كانت معي لانك تخشى التغيير .. قرار واحد قد
يغير حياتنا الى الابد ويصنعها من جديد .. قد نضيع السعادة لاننا نخاف ان نقرر ..
ان نغير .. ان ننحرف قليلا عن الطريق المرسوم امامنا .. انا تغيرت حياتي الان الى
الابد لاني امتلكت الشجاعه لان اعبر ان ما في داخلي ان اعطي فرصة لاحساسي .. ولست
نادما على ذلك .. فقد ذقت للحياة طعما لم اكن اعرفه من قبل ..واكتشفت جسد الرجل
الشهي الذي كنت اجهله.. ولكني الان اريد ان اكون معك"
" انت تظن ذلك الان
لانك ماخوذ بهذا السحر الجديد .. انا يا عزيزي لم اكن الا باب فتح امامك عالما
جديد.. سيكون امامك الان كل الوقت لتكتشفه وتتعلم فيه .. وتتعرف على اجساد اخرى
وتكتشف معالم واسرار جديدة في الجسد الذكوري .. في هذه المرحلة يجب ان تكون حرا ..
في البداية على الاقل حتى تتحس طريقك الجديد وتتعرف على دربك الذي اتخذته مسلكا وسيأتي
يوما تأخذ قرارك بالاستقرار بعد ان تكون قد عشت المغامرة بملئها وتختار القلب الذي
تسكن اليه .. يؤسفني اننا التقينا في ظروف لا يمكنها ان تجمعنا لنكون معا فانت
لديك عالم جديد لتكتشفه وتجوب في اركانه وانا لدي عالم استقر به اخيرا بعد ان
ارهقني البحث والاستكشاف.. ولكني سعيد بما امضيته معك غير نادم على اللحظات في
قربك وعلى كوني الاول .. ساسكن فيك الى الابد .. وساكون في كل رجل ستقابله بعدي
..."
ساد الصمت فلم يعد مجال
لان نضيف شيئا .. ربما يكون محقا ..فلابد ان نعود الى الدنيا التي نعرفها .. بعد
ان اخذنا منها اجازة سعادة .. ولكن عاطفتي تغلبني الان على امري...
وقفت بعد سويعات امام
نافذتي اشيعه بناظري هو وفريق عمله تبتلعهم سياراتهم التي ابتعدت بهم ليبتلعهم
الطريق بدوره .. ظللت انظر للافق سارحا بمستقبل اجهل كيف سيكون .. وفي ارجاء غرفتي
ام كلثوم تنشر صوتها :
" وانتبهنا بعدما
زال الرحيق
وافقنا ليت انا لا نفيق
يقظة طاحت باحلام الكرى
وتولى الليل والليل صديق
واذا النور نذير طالع
واذا الفجر مطل كالحريق
واذا الدنيا كما نعرفها
واذا الاحباب كل في طريق
"